أطلق سكان مدينة سور الغزلان لقب "الرجل المنقذ" على مولاي صالح، الذي تحوّل في لمحالبصر من تاجر بسيط إلى شخصية شهيرة تتلاعب بالملايير، أثارت الكثير من الجدل، والتفحولها جمع من المحبين والراغبين في الثراء السريع، حيث تمكن في وقت قصير من إحياءمدينة بكاملها، وأغنى سكانها، وأنقذ شبابها من البطالة وتجارها من الكساد، وساعد الفقراءوالمحتاجين وأغدق على المسؤولين، لتتحول سور الغزلان إلى قبلة وطنية للراغبين فيالثراء السريع.
وزراء وولاة وأميار ومسؤولين في أعلى مستوى، حجوا إلى صاحب سوق "الوعد الصادق"أو "سوق الريح"، وأبدوا إعجابا كبيرا بنشاطه وأثنوا عليه، حيث أسالت الملايير التييتلاعب بها والعقارات التي يملكها لعابهم، وقدموا له تسهيلات كبيرة ودعما منقطع النظيروحماية فاقت حماية الدبلوماسيين، حيث بات مولاي الصالح يتنقل في مواكب شبه رسميةمستعملا "الجيلوفار" وشعاره في ذلك "بدراهمي نشري كل شيء".
وبدورها أبدت وسائل الإعلام اهتماما كبيرا بهذه الشخصية المثيرة للجدل، التي تصدّرتالصفحات الأولى للجرائد وعناوين النشرات الرئيسية في الإذاعة والتلفزيون، وتوافدت كبرىالجرائد والقنوات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية إلى سوق "الوعد الصادق"، الذي تحوّلفي ظرف وجيز إلى قبلة للمواطنين من مختلف ولايات الوطن، وعرضت فيه سيارات الأحلامالتي بات يتلاعب بها شباب بمدينة سور الغزلان بعد بيعها بأثمان بخسة.
مولاي الصالح من تاجر للدقيق إلى أكبر بارون
مولاي الصالح 47 سنة، ابن حي شعبي بمدينة سور الغزلان، صاحب مخبزة ومستودع لبيعالدقيق والعجائن، رجل متواضع محبوب، سهل المعاملة ودائم الابتسامة، أخلاقه العاليةيشهد بها الكبير والصغير، إذا وعد أوفى وإذا تكلم صدق، فصيح اللسان، معروف بمساعدتهللفقراء والمحتاجين رغم تجارته البسيطة، معروف باسم "الصالح"، علاقته بأبناء مدينتهكانت قوية ووطيدة، لم يكن يفوّت جنازة ولا فرحا ولا عزومة إلا وحضرها وكّرم أهلها،تجارته كانت تعتمد على الثقة، حيث تعامل بـ"الكريدي" مع العائلات المحتاجة وحتى التجارالشباب، وكانت تربطه علاقة حسنة مع أقاربه وجيرانه وأبناء حيه، وهو ما جعله ينجح فيمشروعه الاستثماري الذي بدأ بسيارة وانتهى بآلاف المليارات كلها في العقارات والسياراتوالمشاريع التجارية.
الإمبراطورية بدأت بسيارة وقطعة أرض وأثاث قديم
حسب معارف وجيران مولاي الصالح،فإن هذا الأخير قرر الاستثمار في بيعالسيارات والعقارات والأثاث مع أفرادمن عائلته، أين كان يبيع لهم بعض مايملكونه من سيارات قديمة وأثاثمستعمل وأراض فلاحية، وبعد أشهر منهذه التجارة التي مكنته من تحقيق أرباحمعتبرة، قرر توسيع استثماره بفتح أولسوق للسيارات المستعملة شهر سبتمبر الماضي، والذي بدأ بثلاثة سيارات وعاملين،وانتعشت هذه السوق في لمح البصر لاعتماده على قاعدة تجارية غريبة، أثارت الكثير منالتساؤلات، غير أنها استقطبت الآلاف من الزبائن من مختلف أنحاء الوطن، وتحوّلت سوق"الوعد الصادق" إلى أهم سوق وطني للسيارات المستعملة.
وتعتمد هذه السوق على شراء السيارات المستعملة بمبالغ تزيد عن قيمتها الحقيقية، حيثينتظر البائع مدة 55 يوما لأخذ أمواله مقابل عدم حصوله على أي وثيقة، وكان السوق أيضايبيع السيارات بأقل من قيمتها بنسبة تتراوح بين 20 و30 بالمائة، أين يدفع "الشاري"مبلغ السيارة مقابل حصوله على الوثائق بعد 55 يوما.
ورغم حدوث عملية البيع والشراء دون وثائق رسمية، غير أن سوق الوعد الصادقاستقطبت الآلاف من الجزائريين من جميع ولايات الوطن، وعلى مدى أربعة أشهر من فتحالسوق تمكن سكان مدينة سور الغزلان من ربح الملايير، باعتبارهم أكثر المستفدين من هذهالسوق، حيث تحصل أغلب شباب المدينة على سيارات جديدة وفارهة بأثمان زهيدة، وهذا ماجعل مولاي الصالح يتحول إلى أشهر شخصية في المنطقة، خاصة وأنه أنقذ شبابها منالبطالة وسكانها من الفقر، وكانت جميع تعاملات السوق تتم بطريقة عادية وشفافة، وكلالزبائن كانوا راضين عن عمليات البيع والشراء، التي كانت تتم بطريقة سريعة ومربحة، ماجعل السكان المحليين يطلقون على السوق اسم "سوق الريح".
تمكن مولاي الصالح من خلال سوق الوعد الصادق من كسب ثقة وحب واحترام جميع سكانمدينة سور الغزلان وعدد كبير من المواطنين من جميع ولايات الوطن، وهو ما ساعده فيتوسيع استثماراته لمجال العقارات أين بات يتلاعب بالملايير.
من السيارات إلى بيع الأراضي والعقارات
بعد نجاح سوق الوعد الصادق لبيع وشراء السيارات الجديدة والمستعملة، والذي ذاع صيتهفي جميع مناطق الوطن، وبات حديث العام والخاص، قرر مولاي صالح فتح مكتب جديدمتخصص في بيع العقارات في قلب مدينة سور الغزلان المشهورة بأراضيها الفلاحية،واعتمد على نفس قاعدة السيارات، أين كان يشتري الأراضي والعقارات بأسعار تتجاوزقيمتها الحقيقية، ويبيعها بأسعار أقل من قيمتها، ما جعل مكتب العقارات يعرف نشاطا كبيراباستقطاب نسبة لا بأس بها من سكان مدينة سور الغزلان الذين أبدوا استعدادا لبيع أراضيهموعقاراتهم لمولاي صالح، أين كانت تتم التعاملات العقارية في البداية بشكل سريع ومربحللكثيرين، وكان صاحب الوعد الصادق يتعامل في البداية مع العقارات الصغيرة، حيثيشتريها من أصحابها بعقود تمضى عند الموثق وكان يدفع قيمتها على شكل أقساط.
نجاح التعاملات العقارية في بدايتها مع أغلب الزبائن، عزز ثقة السكان بمولاي الصالح،وهذا ما جعل هذا الأخير يشتري أغلب الأراضي والعقارات في المدينة، وامتد نشاطه لولاياتأخرى، حيث اشترى عقارات هامة في كل من العاصمة وقسنطينة ووهران ومختلف المدنالكبرى، والغريب في الأمر أن أغلب العقارات اشتراها بالوثائق فقط دون أن يدفع ثمنها،وهذا ما سيتسبب فيما بعد في كوارث ويمهد لأكبر عملية احتيال في الجزائر.
مولاي صالح يشتري البقر والشجر والحجر..
بعد نجاح سوق الوعد الصادق في الاستثمار في السيارات والعقارات، لجأ مولاي الصالح إلىفتح مكتب جديد متخصص في جميع أنواع التعاملات التجارية، على غرار المواد الغذائيةوالأغنام ومختلف أنواع السلع والبضائع ومواد البناء والأثاث وكل شيء، واحتفظ مولايالصالح بنفس قاعدته الذهبية بالشراء بالخسارة والبيع بالخسارة، وهو ما أثار استغرابالمواطنين والمختصين وحتى المقربين منه، فالسيولة الكبيرة من الملايير التي كان يربحهايوميا من معاملاته التجارية، جعلت الناس يلتفون حوله، ولجأ إلى تعيين مساعديه في جميعالنشاطات، والذين كانوا يتعاملون مع الناس باسمه، ويستغلون ختمه وشهرته، وهو ماتسبب في حدوث الكثير من المشاكل، أين كان مولاي الصالح يتبرأ من العديد من التعاملاتالتي كانت تحدث باسمه، وهو ما أثار غضب الكثيرين، وبدأ الشك يدخل في نفوس السكان،وبدأت شعبية مولاي الصالح تتراجع.
الوعد الصادق يتحوّل إلى الوعد الكاذب!!
بعد ستة أشهر من فتح سوق الوعد الصادق المتخصصة في بيع وشراء كل شيئ، بدأتالسيولة المالية لمولاي صالح تنقص، وبدأت الشكاوى تتزايد والاحتجاجات تتصاعد، والمدةالمخصصة لدفع مستحقات الزبائن تتصاعد لتتحول من أيام إلى أشهر، وهذا ما دفع الإعلامإلى إثارة الكثير من الإشاعات منها من تحدثت عن هروب مولاي الصالح إلى تركيا، ومنهامن أكدت اعتقال الرجل من طرف مصالح الأمن، وذهبت بعض الجرائد إلى توريط صاحبالوعد الصادق في تبييض الأموال والتواطؤ مع إرهابيين من ليبيا، وغيرها من الإشاعاتوالأخبار التي أدخلت الشك في نفوس زبائن الوعد الصادق.
وبدأ مولاي الصالح يتوارى عن الأنظار، ويتفادى لقاء زبائنه وحتى أصدقائه، وكلفمجموعة من مساعديه بتسيير أموره وتجارته، ولجأ إلى الظهور في بعض القنواتالتلفزيونية لتبرير الاحتجاجات اليومية للمواطنين الذين لم يتحصلوا على مستحقاتهم المالية،ووعد بحل هذا المشكل خلال أيام، مبررا نقص السيولة المالية بشرائه عقارات واسعة، فيالمدن الكبرى . وأكد مولاي صالح أن مشكل السيولة سيحل قبل النصف الثاني من شهرجوان الماضي، ضاربا لزبائنه موعدا أمام سوق الوعد الصادق يوم 10 جوان صباحا.
"جيش شعب معاك يا الصالح"
ضرب مولاي صالح لزبائنه موعدا يوم 10 جوان الماضي، ليرد لهم مستحقاتهم المالية،ويبدد الإشاعات التي تحدثت عن هروبه إلى تركيا، ومع فجر اليوم الموعود تجمع المئات منزبائن "الوعد الصادق" ولكل منهم ملايين وملايير يطمع أن يتحصل عليها.
وما هي إلا ساعات قليلة حتى ظهرت سيارة رباعية الدفع بيضاء من نوع "أودي" كانت تقلمولاي الصالح رفقة مساعديه، فتجمع الناس حول السيارة وهم غاضبون ويطالبونبأموالهم، ومنهم من شرع في التهديد بالقتل وأطلق وابلا من السب والشتائم على مولايصالح الذي كان هادئا، يحدث الناس من داخل السيارة بهدوء ويطمئنهم، وأمام حصارالغاضبين للسيارة، لجأ مجموعة من الشباب إلى الدفاع عن مولاي الصالح وتحريره منحصار الغاضبين وهم يرددون شعار"جيش شعب معاك يا صالح"، خوفا من أن يصيبه مكروهوتضيع مستحقاتهم وأراضيهم.
وبشجاعة كبيرة واجه مولاي الصالح الجماهير الغاضبة، وأكد لهم أن المسألة مسألة وقت،وكل زبون ستصله أمواله إلى حسابه الجاري دون نقصان، وهذا ما هدّأ من روع الغاضبين،الذين كانوا يأملون في استرجاع أموالهم وعقاراتهم المختفية، حيث أمهلوا صاحب سوقالوعد الصادق شهرا إضافيا لدفع مستحقاتهم.
عصابات للدفاع عن صالح مولاي
تصاعدت الاحتجاجات، وبدأت الشكوك تحوم حول نشاط سوق الوعد الصادق التي أغلقتأبوابها نهاية شهر ماي الماضي، بعدما عجز مولاي الصالح عن دفع مستحقات زبائنه وحتىعماله، ولجأ إلى الاختفاء في مكان مجهول، وهو ما دفع الناس في مدينة سور الغزلان إلىتنظيم اعتصامات للمطالبة بأموالهم وتدخل السلطات للتحقيق مع مولاي صالح، غير أنالاعتصامات كانت تقابل دائما بتدخل قوات الأمن التي كانت تفرق وتعتقل المحتجين.
وظهرت في مدينة سور الغزلان عصابات تهدد كل من يتحدث أو يحتج على مولاي الصالح،وهذا ما أدخل الخوف إلى نفوس آلاف زبائن مولاي الصالح، الذي لجأ إلى تهريب عائلته منمدينة سور الغزلان إلى وجهة مجهولة، وتحوّلت قصة "الوعد الصادق" إلى الشغل الشاغللجميع سكان المدينة، الذين تورط أغلبهم في تعاملات تجارية مع سوق الوعد الصادق، التيأعلنت إفلاسها، وبدأ الناس يشمون رائحة الاحتيال والخداع، وهم لا يصدقون أن أموالهمضاعت وعقاراتهم سلبت منهم، غير أنهم يأملون في استرجاع ولو البعض من أموالهم التيقدرت عند البعض بأزيد من 200 مليار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق